حكي أن رجلا كان يعيش وحيداً على حافة البحر ليس له علاقة مع البشر سوى ذكريات باهتة تعيش في رأسه عن
الناس وحالاتهم وعن لغة الحديث والغناء البشري. ولقد بلغت العزلة منه مبلغها الشديد في روحه، وصار يتوق للأليف
والعشرة. وكان في نفسه طرف من حكاية تقول إن سمك الحوت كان بشراً وتحول إلى حيوان بحري، وعلامة ذلك أن
عيون الحوت تشبه عيون البشر في جمالها واستدارتها وفي تساقط الدمع منها وفي لحظاتها الوديعة والأنيسة.
وفي ذات يوم كان الرجل يقف مع حزنه وعزلته على طرف الشاطئ ينظر باتجاه صخرة تربض بعيداً هناك وسط المياه،
وقد انعكس عليها ضوء القمر فبدت بيضاء صافية لمَّاعة، وداوم النظر فيها حتى انغرست في منظرها عيناه. وفجأة صار
يسمع أصواتاً تأتي مع نسيم الهواء العليل من جهة الصخرة. كانت أصوات فرح وضحك وغناء وفرفشة. أصوات عذبة تملأ
فراغ المكان وفراغ الروح. فتحرك الرجل باتجاه الأصوات الفضية العذبة. ولما اقترب من الصخرة رأى جمعاً من الصبايا
العذراوات يسبحن في الماء ويتقافزن على الصخرة بأجساد كساها نور القمر وشاح الماء فصارت تتلامع ضياءً
وحياة ومرحاً.
ولمح على البعد القريب منهن عباءات من جلود أسماك الحوت مرتمية على الصخرة، فاقترب بهدوء بالغ وأخذ واحداً من
الجلود وأخفاه عنده.
وظل يمتع نواظره ومسامعه بما يرى ويسمع من على تلك الصخرة المضيئة بالجمال والأنغام.
ثم سمع صوتاً يرن مع ذرات النسيم يصدر من إحدى الفتيات، صوتاً يشبه أصوات الحوت وهي تناغي الماء عند انبزاغ
ضوء الفجر…..أو أنه يشبه ترجيعات ذئب صغير ولد للتو. كان صوتاً عذباً وأنيساً.
كانت تلك رئيستهن،وقد دعتهن للاف.
وتحركت الأجساد النورانية نحو عباءات الجلود ولبست كل واحدة منهن جلدها وعدن الواحدة إلى الماء، أسماك حوت
صافية الون كالفضة المصقولة وكالعنبر الزاهي…ما عدا واحدة منهن بقيت حائرة النظرات محتارة الخطوات تبحث عن
جلدها (عباءتها) فلا تراها.
وهنا نط الرجل ناهضاً باتجاهها وقال لها: إن جلدك عندي، ولن أرده إليك.
تزوجيني …تزوجيني…قال لها.
وظل يحاول معها ويتحايل عليها ويتوسل إليها، وهي ترفض وتقول إن حياتها هناك في الماء مع جنسها من الحيتان، ولا
ترغب في الحياة الزوجية البشرية.
رد عليها مترجياً ومستعطفاً وشارحاً لها عزلته وحزنه واغتمامه، وقال لها أريد منك أن تبقي معي سبع صيفيات فقط،
وبعد الصيف السابع نظر في الأمر.
وافقت / الحوت واستسلمت لقدرها مع هذا الرجل.
عاشت معه في بيت الزوجية وأنجبت له غلاماً جاء كمثل القمر ليلة منتصف الشهر أو مثل حوت يسبح فوق صخرة
وسط المياه تحت تساريح ضياء القمر.
إنه طفلها وجوهرة حياتها، ولذا كانت تناغيه وتحكي له عن مخلوقات حبيبة تعيش هناك تحت المياه وتقص عليه قصص
الأعماق وشعاب المرجان وديان الؤلؤ هناك تحت المياه.
ومر الصيف السابع… وطال وقت الصبر والتحمل حتى إن جسمها بدأ يجف جفافاً بالغاً وصارت إذا مشت تصر قدماها
صريراً يشبه احتكاك العظم بالعظم، وتيبست محاجر عينيها وصارت جدائل شعرها حبالاً بل أعواداً جفت منها مياه
الحياة. وأخذ نور عينيها يتلاشى ويتلاشى إلى أن فقدت بصرها.
وساءت حالة جسدها وجفت روحها.. وهي لما تزل تطالب زوجها (خاطفها) بالوفاء بوعده لها وأن يرد إليها جلدها.
ولكن الزوج يرد عليها بغلظة وتأنيب، ويقول: لا ..لا . إنك تريدين الفرار عني وأنا زوجك وهذا الولد ابنك. ولن أعطيك
جلدك فتعودي إلى الماء وتركينا في الوحشة والعزلة. وغضب الزوج منها وخرج من المنزل ساخطاً ماخطاً وأغلق الباب
خلفه بغضب وسخط.
جرت المشادة في اليل وقت منام الغلام، ما أيقظ الطفل من رقدته فسمع كل شيء وانتابه حزن كاسح على أمه
المسكينة، وبكى الغلام بكاء مريراً وطويلاً وهو في فراشه إلى أن نام ثانية وسط دموعه وزفراته.
وبينما كان الطفل مرة بمحاذاة جدار المنزل من جهة البحر سمع صوتاً آتياً من المياه ينادي باسم الطفل: أوروك….
أوروك.
كان هذا اسمه الذي منحته له أمه..وها هو الصوت يردد هذا الاسم ويصبه في مسامع روحه:
أوروك
أوروك
أوروك…أوروك
راح الطفل باتجاه الصوت ودخل في الماء ولم يخف ولم يتساءل …إنه اسمه وصوت حروفه.
ولما بلغ موقع الصوت رأى عباءة سوداء من جلد سمك الحوت، وقد تركها الصوت ملقاة على طرف الصخرة إياها. كانت
صافية ملساء تشع بالحياة والنضارة.
أخذها الغلام وحملها على كتفيه وعاد بها إلى البيت حيث رماها بين يدي أمه التي تحركت أنفاسها عبر صدرها وأنفها
وشرعت تلبس الجلد، جلدها،ولما تكلت به أخذت تتحرك باتجاه باب المنزل. فصاح فيها طفلها: هل تتركين يا أماه؟
فنظرت إليه بحب وتوجس.. ثم وضعته تحت إبطها وسارت نحو البحر.
هناك دخلت في الماء، وسبحت نحو الأعماق، ودخلت من تيار إلى تيار وفيما بين شعب المرجان، وطفلها معها تحت
إبطها إلى أن وصلت ماءها وماء أهلها. وهناك قابلها أول ما قابلها حوت كهل مكتمل العمر فرحب بها وابتسم للطفل
وقال له أهلاً بك يا حفيدي، لقد أحسنت أيها الصغير إذا استجبت لندائي لك وأوصلت عباءة أمك إليها ورددت لها جلدها.
هناك فرحت وفرحوا وتنفست أسراب الحيتان معها.
وسط هذه العودة الفرحة قال لها أبوها: كيف ستفعلين بالغلام…..؟!
راح الحوت الجد وراحت الأم يصحبان أورك نحو بيته الأرضي، والأم طول الطريق تقول له: إذا اشتقت إلى فما عليك إلا
أن تلمس أي شيء ما كنت ألمس أو استعمل من أدوات البيت والمطبخ وسوف تجدني أمامك.
كبر الفتى واشتهر بين الناس أنه يذهب كل يوم نحو صخرة في البحر يجلس على طرفها ويبدو وكأنما هو منهمك في
حديث حميمي مع كائن بحري تحت الماء.
منقول لعيونكم
ارجو التفاعل من العضوات
الناس وحالاتهم وعن لغة الحديث والغناء البشري. ولقد بلغت العزلة منه مبلغها الشديد في روحه، وصار يتوق للأليف
والعشرة. وكان في نفسه طرف من حكاية تقول إن سمك الحوت كان بشراً وتحول إلى حيوان بحري، وعلامة ذلك أن
عيون الحوت تشبه عيون البشر في جمالها واستدارتها وفي تساقط الدمع منها وفي لحظاتها الوديعة والأنيسة.
وفي ذات يوم كان الرجل يقف مع حزنه وعزلته على طرف الشاطئ ينظر باتجاه صخرة تربض بعيداً هناك وسط المياه،
وقد انعكس عليها ضوء القمر فبدت بيضاء صافية لمَّاعة، وداوم النظر فيها حتى انغرست في منظرها عيناه. وفجأة صار
يسمع أصواتاً تأتي مع نسيم الهواء العليل من جهة الصخرة. كانت أصوات فرح وضحك وغناء وفرفشة. أصوات عذبة تملأ
فراغ المكان وفراغ الروح. فتحرك الرجل باتجاه الأصوات الفضية العذبة. ولما اقترب من الصخرة رأى جمعاً من الصبايا
العذراوات يسبحن في الماء ويتقافزن على الصخرة بأجساد كساها نور القمر وشاح الماء فصارت تتلامع ضياءً
وحياة ومرحاً.
ولمح على البعد القريب منهن عباءات من جلود أسماك الحوت مرتمية على الصخرة، فاقترب بهدوء بالغ وأخذ واحداً من
الجلود وأخفاه عنده.
وظل يمتع نواظره ومسامعه بما يرى ويسمع من على تلك الصخرة المضيئة بالجمال والأنغام.
ثم سمع صوتاً يرن مع ذرات النسيم يصدر من إحدى الفتيات، صوتاً يشبه أصوات الحوت وهي تناغي الماء عند انبزاغ
ضوء الفجر…..أو أنه يشبه ترجيعات ذئب صغير ولد للتو. كان صوتاً عذباً وأنيساً.
كانت تلك رئيستهن،وقد دعتهن للاف.
وتحركت الأجساد النورانية نحو عباءات الجلود ولبست كل واحدة منهن جلدها وعدن الواحدة إلى الماء، أسماك حوت
صافية الون كالفضة المصقولة وكالعنبر الزاهي…ما عدا واحدة منهن بقيت حائرة النظرات محتارة الخطوات تبحث عن
جلدها (عباءتها) فلا تراها.
وهنا نط الرجل ناهضاً باتجاهها وقال لها: إن جلدك عندي، ولن أرده إليك.
تزوجيني …تزوجيني…قال لها.
وظل يحاول معها ويتحايل عليها ويتوسل إليها، وهي ترفض وتقول إن حياتها هناك في الماء مع جنسها من الحيتان، ولا
ترغب في الحياة الزوجية البشرية.
رد عليها مترجياً ومستعطفاً وشارحاً لها عزلته وحزنه واغتمامه، وقال لها أريد منك أن تبقي معي سبع صيفيات فقط،
وبعد الصيف السابع نظر في الأمر.
وافقت / الحوت واستسلمت لقدرها مع هذا الرجل.
عاشت معه في بيت الزوجية وأنجبت له غلاماً جاء كمثل القمر ليلة منتصف الشهر أو مثل حوت يسبح فوق صخرة
وسط المياه تحت تساريح ضياء القمر.
إنه طفلها وجوهرة حياتها، ولذا كانت تناغيه وتحكي له عن مخلوقات حبيبة تعيش هناك تحت المياه وتقص عليه قصص
الأعماق وشعاب المرجان وديان الؤلؤ هناك تحت المياه.
ومر الصيف السابع… وطال وقت الصبر والتحمل حتى إن جسمها بدأ يجف جفافاً بالغاً وصارت إذا مشت تصر قدماها
صريراً يشبه احتكاك العظم بالعظم، وتيبست محاجر عينيها وصارت جدائل شعرها حبالاً بل أعواداً جفت منها مياه
الحياة. وأخذ نور عينيها يتلاشى ويتلاشى إلى أن فقدت بصرها.
وساءت حالة جسدها وجفت روحها.. وهي لما تزل تطالب زوجها (خاطفها) بالوفاء بوعده لها وأن يرد إليها جلدها.
ولكن الزوج يرد عليها بغلظة وتأنيب، ويقول: لا ..لا . إنك تريدين الفرار عني وأنا زوجك وهذا الولد ابنك. ولن أعطيك
جلدك فتعودي إلى الماء وتركينا في الوحشة والعزلة. وغضب الزوج منها وخرج من المنزل ساخطاً ماخطاً وأغلق الباب
خلفه بغضب وسخط.
جرت المشادة في اليل وقت منام الغلام، ما أيقظ الطفل من رقدته فسمع كل شيء وانتابه حزن كاسح على أمه
المسكينة، وبكى الغلام بكاء مريراً وطويلاً وهو في فراشه إلى أن نام ثانية وسط دموعه وزفراته.
وبينما كان الطفل مرة بمحاذاة جدار المنزل من جهة البحر سمع صوتاً آتياً من المياه ينادي باسم الطفل: أوروك….
أوروك.
كان هذا اسمه الذي منحته له أمه..وها هو الصوت يردد هذا الاسم ويصبه في مسامع روحه:
أوروك
أوروك
أوروك…أوروك
راح الطفل باتجاه الصوت ودخل في الماء ولم يخف ولم يتساءل …إنه اسمه وصوت حروفه.
ولما بلغ موقع الصوت رأى عباءة سوداء من جلد سمك الحوت، وقد تركها الصوت ملقاة على طرف الصخرة إياها. كانت
صافية ملساء تشع بالحياة والنضارة.
أخذها الغلام وحملها على كتفيه وعاد بها إلى البيت حيث رماها بين يدي أمه التي تحركت أنفاسها عبر صدرها وأنفها
وشرعت تلبس الجلد، جلدها،ولما تكلت به أخذت تتحرك باتجاه باب المنزل. فصاح فيها طفلها: هل تتركين يا أماه؟
فنظرت إليه بحب وتوجس.. ثم وضعته تحت إبطها وسارت نحو البحر.
هناك دخلت في الماء، وسبحت نحو الأعماق، ودخلت من تيار إلى تيار وفيما بين شعب المرجان، وطفلها معها تحت
إبطها إلى أن وصلت ماءها وماء أهلها. وهناك قابلها أول ما قابلها حوت كهل مكتمل العمر فرحب بها وابتسم للطفل
وقال له أهلاً بك يا حفيدي، لقد أحسنت أيها الصغير إذا استجبت لندائي لك وأوصلت عباءة أمك إليها ورددت لها جلدها.
هناك فرحت وفرحوا وتنفست أسراب الحيتان معها.
وسط هذه العودة الفرحة قال لها أبوها: كيف ستفعلين بالغلام…..؟!
راح الحوت الجد وراحت الأم يصحبان أورك نحو بيته الأرضي، والأم طول الطريق تقول له: إذا اشتقت إلى فما عليك إلا
أن تلمس أي شيء ما كنت ألمس أو استعمل من أدوات البيت والمطبخ وسوف تجدني أمامك.
كبر الفتى واشتهر بين الناس أنه يذهب كل يوم نحو صخرة في البحر يجلس على طرفها ويبدو وكأنما هو منهمك في
حديث حميمي مع كائن بحري تحت الماء.
منقول لعيونكم
ارجو التفاعل من العضوات